غزة المحاصرة "5"

غزة المنكوبة.. آلام ومعاناة تتضاعف جراء منع إدخال الماء والطاقة

غزة المنكوبة.. آلام ومعاناة تتضاعف جراء منع إدخال الماء والطاقة

تبدو غزة اليوم وكأنها مدينة مهجورة، تعيش في ظلام دامس يمتد لمسافات طويلة، لكنّ هناك آلاماً أكثر عمقًا وتأثيرًا من الظلام الذي يغشى المدينة، آلاماً يعاني منها الأطفال والنساء والرجال على حد سواء، إنها آلام الحصار الطاقي والمائي، وتداعياتها المدمرة على حياة السكان المحاصرين. 

منذ سنوات عديدة، يعيش أهل غزة تحت وطأة حصار قاسٍ يفرض عليهم الحرمان من الاحتياجات الأساسية للحياة الكريمة، يُعرّض سكان غزة لانقطاع متكرر للتيار الكهربائي، حيث تتكرر أزمات الكهرباء بشكل يومي وتستمر لساعات طويلة.

وهذا يعني إعاقة عمل المستشفيات والمرافق الصحية، وتعطيل البنية التحتية، وتعثر التعليم، وتجميد الصناعة والأعمال التجارية. 

بحسب تقارير دولية، يعيش أكثر من مليوني نسمة في غزة تحت وطأة الحصار الطاقي، حيث يصل متوسط ساعات التيار الكهربائي إلى 4 ساعات فقط في اليوم. 

وهذا يجبر السكان على الاعتماد على المولدات الكهربائية الاحتياطية، والتي لا تستطيع تلبية احتياجاتهم الأساسية بشكل كافٍ، فالمستشفيات تعاني من نقص الأدوية والمعدات الطبية الحيوية، والمرافق الصحية تجد صعوبة في تشغيل أجهزتها الحيوية، والأعمال التجارية تتوقف عن العمل، والحياة اليومية تتحول إلى معركة مرهقة مع الظروف القاسية. 

ولكن الحصار الطاقي ليس سوى جزء من المأساة التي تعيشها غزة فقد تم تدمير البنية التحتية للمرافق المائية بشكل كبير، ما أدى إلى انهيار نظام توزيع المياه.

 بحسب تقارير الأمم المتحدة، يعاني أكثر من 90% من السكان في غزة من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، وتعتمد المدارس والمستشفيات والمنازل على المياه الملوثة وغير الصالحة للاستخدام. 

هذا المشهد المروع يعرض الأطفال والنساء للأمراض المعدية ونقص التغذية، ما يزيد من معاناتهم اليومية ويهدد صحتهم وحياتهم. 

وفقًا للإحصائيات، يعيش أكثر من 400 ألف طفل في غزة تحت خط الفقر، ويعانون من سوء التغذية وضعف الجهاز المناعي بسبب نقص المياه النظيفة، يجد الأطفال أنفسهم مضطرين للجوء إلى تناول مياه غير صحية، ما يزيد من خطر الإصابة بالتسمم والأمراض المعوية. 

وتؤثر هذه الظروف المأساوية على تعليم الأطفال أيضًا، فالمدارس تعاني من نقص التيار الكهربائي والمياه، ما يؤثر على جودة التعليم. 

وبحسب تقارير اليونيسيف، يعاني أكثر من 50% من الأطفال في غزة من صعوبات تعلمية وتراجع في الأداء الدراسي، ما يعرض مستقبلهم وفرصهم الحياتية للخطر.. إن التأثيرات النفسية للحصار الطاقي والمائي لا يمكن تجاهلها؛ الأطفال في غزة يعيشون تحت حالة مستمرة من التوتر والقلق، وهم يشهدون المعاناة والدمار من حولهم.. وتقارير منظمة الصحة العالمية تشير إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق بين الأطفال في غزة، وزيادة السلوكيات العدوانية والتوتر النفسي.  

في غزة، يتعامل الأطفال مع الحياة المأساوية بكل براءة وصمود، ومع ذلك، فإن الواقع القاسي الذي يعيشونه يترك آثارًا مدمرة على صحتهم الجسدية والنفسية.. إنهم يستحقون العيش بكرامة ونيل حقوقهم الأساسية. 

ونادى خبراء هاتفتهم "جسور بوست"، بضرورة وقف إطلاق النار الحالي، حيث يزيد الأمر سوءا، كما أن الحصار الطاقي والمائي في غزة يجب أن يتوقف، ويجب أن يتحرك المجتمع الدولي للعمل على إنهاء هذه الأزمة الإنسانية وتوفير الحياة الكريمة التي يستحقها أطفال غزة. 

حياة أقرب للموت

علّقت أستاذ الاقتصاد وعميد كلية التجارة جامعة الأزهر فرع أسيوط، الدكتورة خلود حسام، بقولها: إن الحصار الطاقي له آثار سلبية شديدة الخطورة على حياة الإنسان، يجعلها كموت يشبه الحياة، خاصة إذا طالت مدته، والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عام 2007 أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على الحياة اليومية للسكان وتعيق تنمية البنية التحتية والاقتصاد في المنطقة، خاصة أن القطاع يعتمد بشكل كبير على إمدادات الطاقة والمياه والكهرباء لتلبية احتياجات السكان والقطاعات الأخرى في القطاع، حيث تعتمد معظم مصادر الطاقة في قطاع غزة على الوقود المستورد، ولا سيما الديزل والبنزين، الذي يستخدم في تشغيل محطات توليد الكهرباء ومعظم المرافق العامة، ونظرًا لأن إسرائيل تفرض قيودًا على استيراد الوقود، يؤدي هذا إلى نقص مستمر في الإمدادات وتعطيل محطات توليد الكهرباء بشكل متكرر. 

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست": وفقًا لتقارير المنظمات الدولية، تقدر نسبة الاعتماد على الطاقة المستوردة في قطاع غزة بأكثر من 90%، هذا يعني أن أي تأثير سلبي على إمدادات الوقود يؤدي إلى نقص في الكهرباء وتشغيل محدود للمرافق العامة والخدمات الأساسية مثل المستشفيات والمدارس والمحلات التجارية، ويخلق تحديات كبيرة في مجال توفير المياه النقية الصالحة للشرب، كما يؤثر أيضًا على تشغيل محطات تحلية المياه ومحطات الصرف الصحي في القطاع.

الدكتورة خلود حسام

واستطردت: تطالعنا الأرقام بما يُخيفنا؛ يفترض أن القطاع يعاني من نقص شديد في المياه النقية، وأن نحو 97% من المياه الجوفية غير صالحة للشرب، ويتوقف السكان على الأنابيب المتصلة بالمياه المعالجة والمحطات المحلية للمياه لتلبية احتياجاتهم اليومية، أيضًا تعتمد محطات توليد الكهرباء في القطاع بشكل رئيسي على الوقود المستورد، وتواجه صعوبات في تأمين الوقود اللازم لتشغيلها بكفاءة، هذا يؤدي إلى انقطاعات مستمرة في التيار الكهربائي، حيث يتم تنفيذ جدولة متقطعة للكهرباء في القطاع، ما يؤثر على الحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية والصناعية. 

وأتمت: يعيش سكان قطاع غزة في ظروف صعبة بسبب نقص الكهرباء المستمر، فالاعتماد على مصادر طاقة بديلة مثل المولدات الكهربائية يزيد من تكاليف الطاقة ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء بشكل كبير، وهذا يعيق القطاع الاقتصادي ويؤثر على القدرة التنافسية للشركات والمؤسسات في المنطقة. 

حلول ومقترحات

بدوره، علق الخبير الاقتصادي، إيهاب الدسوقي بقوله: “إن الإنسانية من لدن آدم عليه السلام إلى أن يسترد الله الأرض ومن عليها تدين الحصار الغاشم على قطاع غزة لما يسببه من دمار لكل سبل الحياة بها، ولكن يبقى الأمل في زيادة الوعي بمأساة غزة وجذب الانتباه إلى التحديات التي يواجهها سكانها، يمكن اتخاذ عدة خطوات، يمكن توسيع استخدام الطاقة المتجددة في غزة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، كذلك يمكن تركيب ألواح شمسية على أسطح المباني وإقامة مزارع رياح لتوليد الطاقة الكهربائية، هذا سيخفف الاعتماد على الواردات الخارجية ويوفر مصدراً مستدامًا للكهرباء، كذلك يجب الاستثمار في تطوير البنية التحتية لقطاع الكهرباء والطاقة في غزة، بما في ذلك تحديث شبكات الكهرباء وتحسين كفاءة التوزيع”. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": يجب أيضًا توفير المعدات والتكنولوجيا اللازمة لتحسين توليد الكهرباء وتوزيعها بشكل أفضل، وتعزيز التعاون الإقليمي لتوفير الكهرباء والطاقة لغزة، عبر الاتفاقيات والشراكات مع الدول المجاورة، ويمكن استكشاف إمكانية توريد الكهرباء من الدول المجاورة أو إنشاء محطات توليد طاقة مشتركة، كذلك تعزيز إدارة الموارد المائية في غزة للتعامل مع أزمة المياه، وتطوير نظم معالجة المياه وتحسين البنية التحتية لتوزيع المياه.

 إيهاب الدسوقي

واستطرد: يجب أيضًا تشجيع الممارسات المستدامة للمياه وتوعية السكان حول أهمية ترشيد استخدام المياه، وتحتاج غزة إلى دعم دولي للتغلب على مشكلات الكهرباء والطاقة والمياه، على أن تعمل المنظمات الدولية والمجتمع الدولي على تقديم المساعدة المالية والتقنية لتحسين البنية التحتية وتوفير الموارد اللازمة لحل هذه المشكلات. 
 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية